د. أشرف غراب يكتب: رمال بلدى.. الله على كنوزك يا مصر

د. أشرف غراب
د. أشرف غراب

"أغلى من الذهب".. عبارة أطلقها أحد المعلِّقين على صفحات التواصل الاجتماعى، خلال اليومين، الماضيين، عقب افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، مجمع الرمال السوداء، بمدينة البرلس، بمحافظة كفر الشيخ، واصفًا هذه السلعة الغالية التى منحها الله لمصر، والتى تكوَّنت عبر مئات السنين، نتيجة الرواسب الشاطئية التى تأتى من منابع النيل على سواحل البحر الأبيض المتوسط، بطول الساحل، بدءًا من أبى قير بمحافظة الإسكندرية، وحتى مدينة رفح، أى حوالى 400 كيلو متر، إضافةً لمناطق أخرى، خاصةً فى جنوب منطقة برنيس وبحيرة ناصر.

 

وإذا ما علمنا أن لدينا من الكنوز بأرضنا ما يُغنى ويُثمن من جوعٍ، ويُدر دخلًا وعملة صعبة على الدولة، ويُوفِّر فرص عملٍ كبرى،كما يقوِّى عصب الاقتصاد، فقد يقول قائلٌ أين العقبة فى استخراجه إذن؟، ولماذا كل هذا التأخير ونحن فى أشد الحاجةِ لمواردنا المدفونة التى صدعتمونا بها ليل نهار؟، وأُجيبك فى معرض مقالى المتواضع هذا، من خلال حديث الرئيس نفسه، الثمين، والمُشبَّع بالوطنية، والمُكلَّل بالجهد والعرق والكفاح، بأنه كان يُمكن اكتشاف الأمر منذ 80 أو 90 عامًا، لكننا حين تحدَّثنا فيه كفكرة، لم نجد التشجيع الكافى، لكن الدولة عملت على هذا المشروع بدراسات الجدوى مدة 3 سنوات، وكان ذلك عبر استطلاع حجم الاحتياطى من الرمال السوداء وكفايته، وقوة الطلب العالمى عليه، وإذا ما نجح المشروع، هل بإمكاننا إقامة اثنين وثلاثة.. وعرض الرئيس، فى حديثه، على القطاع الخاص الأمر، بأن مَنْ يُريد المشاركة، فلدينا كنوز تُقدَّر بأربعمائة كيلو متر ذهبًا أسود احتياطى، فكيف يكون الحال لو وضع المستثمرون ورجال الأعمال أيديهم فى أيدى الدولة فى هذا المشروع الضخم، وكم نرى من حجم المشروعات فيه، وتُرى أيضًا كم تبلغ ضخامة العائد؟

 

لا شك أن المغريات الاستثمارية عديدة ومتنوعة، فحسب "هيئة المواد النووية"، فإن مصر تمتلك 11 موقعًا على السواحل الشمالية تنتشر بها الرمال السوداء الغنية بثمانية أنواعٍ من المعادن الثقيلة، بدءًا من رشيد حتى العريش، منهما موقعان بكفر الشيخ فقط، شرق البرلس بملاحة منيسى، التابعة لقرية الشهابية على نحو 80 فدانًا، والآخر غرب محطة توليد الكهرباء الكبرى بالبرلس على مساحة 35 فدانًا، وهو ما جعل الدولة تُفكر مليًا فى إنشاء المجمع بهذا الموقع الفريد المُتميز؛ لفصل وتعدين الرمال بكفر الشيخ، ويصل الاحتياطى الجيولوجى منها 1,3 مليار متر مكعب، بمتوسط تركيز للمعادن الثقيلة يُقدَّر بنحو 3 %، أما عن الخامات التى بين طياتها، فمنها "الزركون، الروتيل، المونازيت الغنى بالمواد المُشعة، الإلمينيت، الماغنتيت، الجارنت"، التى تُستخدم فى 41 صناعة مختلفة، أبرزها أجسام الطائرات والصواريخ والغواصات، وإنتاج التيتانيوم الإسفنجى، والرقائق الإلكترونية التى تدخل فى تصنيع السيارات والعربات المصفَّحة والحربية وقضبان السكك الحديدية، والهواتف المحمولة، كما تدخل فى صناعة الوقود النووى، والسيراميك والبلاط والمنظفات، والمطاطات، ومواد الصنفرة، والزجاج والكريستال، والمعدات الرياضية وأدوات التجميل، والدهانات والبروسلين، والخزف وأوانى الطهى.

 

جميع المعطيات تُؤكِّد قوة عوامل الجذب للاستثمار العربى والأجنبى فى هذا المشروع الحيوى والمهم، فالمخزون من تلك الرمال يتخطَّى مئات المليارات من الدولارات، والمستثمر يلقى الدعم والتشجيع من الدولة فى سلعة تُدر عوائد بجميع أنواع العملات العالمية، لحاجة العالم أجمع لها، فهى لا تقل أهميةً عن مُنتجى الغاز الطبيعى والبترول، اللذين يتكالب عليهما الآن غالبية الدول العظمى، ناهيك عن النامية، كما أن أسعار تصديرها واستيرادها مرتفعٌ بشكلٍ كبير، لأنها تضم مواد ذات أهمية، صناعيًا واستراتيجيًا، خاصةً إذا ما علمنا أن الرمال البيضاء أيضًا وجنبًا إلى جنب معها تُصدِّرها مصر بسعر 40 دولارًا للطن الخام، بينما يصل سعر منتجاته نحو 100 ألف دولار، وتجتذبه الدول الرائدة كأمريكا وغرب أوروبا والصين، فيكون بذلك سعره لديها 2500 ضعف سعر تصديره كخام من مصر.

 

نحن أمام ذهب خالص مدفون فى أراضينا يحتاج السواعد الممتدة لاستخراجه، والاستفادة القصوى منه، ويُحسب للقيادة السياسية إعطاء شارة البدء، بعد أن أنشأ المجمع الصناعى له على أرض محافظة كفر الشيخ، لكن المطلوب أكبر وأضخم فى اقتحامه والولوج لإيراداته وعائداته، التى تعود على الدولة بالعُملة الصعبة، وتحسين فرص العمل، واستغلال الموارد المهدرة، وتنقية مياهنا وبيئتنا من المواد المُشعَّة، والاستغناء عن تصدير المادة الخام بما يقارب 3% من سعرها الذى نستوردها به، وفتح المجال واسعًا أمام الصناعات التعدينية الثقيلة على أراضينا وتوطينها، بما يخلق تنميةً مستدامة ببلدنا، بجانب الدفع باقتصادنا قُدمًا للأمام، والدخول إلى صناعات استراتيجية يطلبها العالم أجمع، ويكفى أن لدينا من الاحتياطى ما يُؤمِّن إنتاجنا وتصديرنا لعقودٍ لم نبذل فيه مجهودًا يُذكر، إلا أن الله جعل الخيرات تأتى إلينا سابحةً بالماء وسائرةً على الأرض، فينبغى أن تقتنص الشركات الخاصة الفرصة وتُسارع للاستثمار الأمثل، ولتكن ناتجة ومصدِّرة، مع الدولة يدًا بيد، وليست العوائد خافية، وإنما كبيرة وفى منتجات أكثر طلبًا ولا غنى عنها، فى السِّلم والحرب، وحتى الاستخدامات المنزلية.

 

إننا فى عصرٍ يعز على الجميع أن يُعدم الموارد داخل موطنه، ولكننا أغنياء بفضل الله حتى فى الرمال بجميع أنواعها، وإذا كنا قد خضنا التجربة فى التسعينيات لأجل الميزانية أو أيًا كان السبب، ولم نُوفَّق، فنحن اليوم أم قيادة سياسية حكيمة تُوفِّر البيئة المُثلى للاستثمار، ولا تبخل بالميزانيات والشراكة ومد الباع لمن يُحاول، وأعد هذا المشروع الضخم الذى عمل عليه الرئيس السيسى، منذ عام 2016، الإضافة الكبرى فى جملة المشروعات التى تمت والجارى تنفيذها، خلال السنوات التسع الماضية، والمُكمِّل لتنوعها وتكاملها، خاصةً أنه متعلقٌ بالشق التعدينى، وهو المجال الأوسع طلبًا على جميع الأرجاء، والأكثر استخدامًا فى كل الصناعات، والأعلى سعرًا بين المنتجات، ما يجعلنى أقول كمصرى أعشق الخير لبلدى "الله على كنوزك يا مصر".